في ثقافة الصراع يتخبط الجميع في غرفة مظلمة، فلا نحصد إلا المواجع و السير للوراء.في ثقافة الصراع نحيا و تموت الأمة هي ثقافة ممجوجة تنمو في مناخ الجهل و تطغى في بيئة الفرقة و التشرذم .و غياب الأسس الإيمانية التي دعمها الإسلام.
أما في ثقافة الحوار فالأرض خصبة للتسامح، لسماع الرأي الآخر، للتنازل عن فكرة تبين بعد اختبارها أنها ليست الأصح، الأرض خصبة للتواضع و المحبة..لتقديم مصلحة المجموع على مصلحة الذات، و للعودة إلى صف المفكرين المراجعين أنفسهم، و عدم التثبت بمقدمة الركب طالما لا نمتلك ما يؤهلنا لذلك.
بثقافة الحوار تتقدم الأمة، لأن الصحيح هو ما يسود..
و مهما بلغت التحديات في أمتنا العربية و التي زادت في زمننا، إلا أن لكل مشكلة حلا.. أما بالنسبة لثقافة الصراع التي سادت بين أبناء الأمة الواحدة الطامحين لواقع أفضل، فإن أفضل ما يمكن أن يحجمها و يقلل من شأنها، هو الثقافة المقبلة، و هي ثقافة الحوار، فالحوار هو أعلى المهارات الاجتماعية قيمة ورقيا و مكاسب، و على وسائل الإعلام تشجيع ثقافة الحوار البناء الفعال، لا ثقافة النزاع و الخلاف و الخسائر.
فالحوار هو عمل الأنبياء مع أقوامهم، و العلماء مع ذواتهم، و المفكرين مع بعضهم، و القادة الناجحين مع مرؤوسيهم، و المربين الحقيقيين مع أبنائهم، و المنتجين مع بلدانهم.. و هو أساس لنجاح الأب مع ابنه، و الزوج مع زوجته، و الصديق مع صديقه، و أبناء الأمة مع بعضهم البعض، فالأمة القوية العزيزة المتقدمة هي التي تشيع فيها ثقافة الحوار بين أبنائها لا ثقافة الصراع،لأن الحوار مؤشر قوي على الديمقراطية، و التي هي أقصى ما تطمح إليه الشعوب، و كلما ابتعدت الأمة عن فتح آفاق الحواء عانت من الأمراض الاجتماعية و الحضارية كالتسلط و الذل، و هيمنة فئة على فئة، و الكذب و المخادعة و الغش، و النهب لمقدارات الأمة، و التراجع و التأخر عن باقي الأمم... و هذا ما عاشته شعوبنا العربية لعقود طويلة. و بالمقابل؛ فإن فتح آفاق الحوار في الدول الراغبة في الاستقرار بعد التحرر يعني فتح آفاق الأمل، و آفاق التطور و العدل و الديمقراطية و الحياة الأفضل.
و نذكر قصة أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه حينما كان يخطب في المسلمين أيام ولايته شؤونهم، فأراد أن يحدد قيمة المهر للنساء بحيث لا يتجاوز مبلغا معينا، فوقفت امرأة و عارضته أمام كل من حضر، و أخبرته أن هذا ليس من حقه لأن الله تعالى قال: {و آتوا النساء صدقاتهن نحلة فإن طبن لكم عن شيء منه نفسا فكلوه هنيئا مريئا} (النساء:04)، فالله تعالى لم يحدد المهر و كذلك لم يحدده رسول الله صلى الله عليه و سلم، و لم يمنعه، فكيف تحدده أنت يا عمر؟ فكان أن قبل عمر برأي المرأة بتواضع منه و تسامح و اعترف قائلا: أصابت امرأة و أخطأ عمرỊ فهكذا كان العظماء يتراجعون عن آرائهم حينما يرون رأيا صوابا سديدا.
إن الحوار الجدي يتوافق مع النفس البشرية و طبيعة العقل البشري المفكر، و قد حث الله تعالى على الحوار البناء لا المجادلة الفارغة، فقد قال عز و جل: { و جادلهم بالتي هي أحسن} (النحل: 125). و قال رسول الله صلى الله عليه و سلم: « أنا زعيم ببيت في ربض الجنة لمن ترك المراء و إن كان محقا»(المراء: الجدال) (رواه أبو داود بسند حسن). و قال عليه و الصلاة و السلام: « فما ضل قوم بعد هدى كانوا عليه إلا أوتوا الجدل» (رواه الترمذي و صححه).
نشر في الموقع بتاريخ : الاثنين 13 رجب 1435هـ الموافق لـ : 2014-05-12