ولد المرحوم الطاهر بن عيشة ..بمدينة قمار سنة 1925 ..وقد أكمل تعليمه الابتدائي ببلدته والتي غادرها سنة 1942 ..متجها إلى تونس ..وبالضبط إلى منارة العلم والعلماء ..(جامع الزيتونة )..لينهل من العلوم الدينية واللغوية .
عاد سنة 1949 إلى الجزائر العاصمة .. ناضل في صفوف الحركة الوطنية (حزب الشعب) كان مناضلا شرسا لينتقل كمجاهد إبان الثورة التحريرية على الحدود الجزائرية التونسية كما عمل بمجال الصحافة بداية خمسينيات القرن الماضي ..وقد كان صحفيا مميزا في صحيفة اسمها (عصى موسى ) والتي تم منعها لاحقا من طرف السلطات الاستعمارية آنذاك لأنه حول قلمه إلى بندقية . ..المرحوم الطاهر بن عيشة عمل أيضا بالإذاعة الوطنية في بداية الاستقلال وقد كان منتجا ومعدا لعدة برامج منها (صوت العمال) (ومنك السؤال والجواب) وغيرها من البرامج الثقافية ، .
من الصعب وضع المرحوم في إطار معين دون آخر فقد كان موسوعة وقد اهتم في حياته بتاريخ الشعوب الإسلامية رغم أنه قد صنف كيساري وهو الذي لم يكن يرى في ذلك تناقضا بل بالعكس كانت تدفعه إنسانيته للتنقيب عن كل ما يهم الحضارة الإسلامية في كل أصقاع العالم ..كان رجلا متميزا ومجادلا من الطراز الجيد لا يتنازل عن أفكاره بسهولة ..وقد يراه البعض شرسا لكنه اعتمد التسامح وحب الحقيقة منهجا في حياته وقد كان له مقولة شهيرة يتميز بها ويعتمدها كسلاح للدفاع عن انتمائه اليساري (الاشتراكية مذهب كل العظماء من الكتاب و الشعراء...قد يستحيل أن تكون ليبراليا وتفكر في قوت الفقراء )
.
كان الرجل من رموز المعارضة لم يتوان في التعبير عن رأيه بكل صراحة وصدق لم يكن للخوف في قلبه مكانا، عاش لمبادئه ولم يفرط فيها ولم يتنازل عنها رغم كل المضايقات ،كان صاحب نكتة وخفة دم عاش بسيطا ومات كذلك ،أوصى بدفنه في مسقط رأسه وفي مقبرة قريته( بغمرة اللوطى) أي السفلى .
ـ شهادات حية من أبناء سوف :
شهادة الأستاذ محمد نوار مفتش التربية والتعليم (متقاعد) وكاتب وأديب من مدينة قمار:
* المرحوم الطاهر بن عيشة شخصية ثقافية كارزمية مميزة في هذا الوطن ،فهو عصامي مناضل ومكافح في جبهات عديدة،للخروج بالوطن من الجهل والتخلف ومحاربة الاستعمار الذي كتم على أنفاس الجزائريين طيلة 132 سنة ولم يرحم أجدادنا..انطلق من جامع الزيتونة ولم يتمم الدراسة فيها عاد إلى الجزائر العاصمة للكفاح الميداني العملي والايجابي الذي يؤمن به ،فقد كان ضد الخرافة والتقاعس وخيانة الوطن وظهرت عليه بوادر الرفض والتمرد وعدم قبول الأفكار السلبية المثبطة للعزائم ،فأنضم..إلى صفوف حزب الشعب،ثم جبهة التحرير الوطني ودائرة الإعلام الثوري إلى الاستقلال،ثم واصل المسيرة للمشاركة في البناء والتشييد والعطاء الفكري بسخاء لأبناء المجتمع الجزائري.فهو الذي يقول :(لا يقاس العمر بعدد السنين ،ولكن يقاس بما تحفل به السنين من عطاء يثريها ويغنيها) رحمه الله رحمة واسعة
* الشاعر سليمان جوادي يقول عن المرحوم الطاهر بن عيشة :
هو عملة نادرة و آخر اليساريين المحترمين
اﻷستاذ الطاهر بن عائشة رحمة الله عليه هو آخر اليساريين المحترمين في هذا الوطن ظل متمسكا بمبادئه المنحازة إلى الطبقات الكادحة إلى أن توفته المنية ..هو عملة نادرة في الوطنية و نكران الذات و أيقونة رائعة يصعب تعويضها و من الرعيل اﻷول من المجاهدين الذين انخرطوا في حرب التحرير فأبلى البلاء الحسن بقلمه و لسانه في المنشورات التي كانت تصدر عن جبهة التحرير الوطني و شارك بعد اﻻستقلال في تكوين أجيال من الصحافيين في اﻹعلام المكتوب أو المسموع أو المرئي .. كان بحاثة في التاريخ تستهويه الحضارة اﻹسلامية و البحث في كل ما هو غامض و غير مطروق .. و عرف الراحل الكبير الطاهر بن عائشة بمعارضته الشديدة الشرسة و مشاكسته للنظام و عدم انحنائه رغم المحاوﻻت العديدة ﻹغرائه و من ثمة إسكاته .. كان يصدح بما يؤمن به دون خوف أو تهيب و رغم الظلم الذي تعرض له و خاصة مطلع ثمانينيات القرن الماضي إلا أنه ظل كالطود الشامخ لم يتزعزع و لم ينحرف عما كان يحمله من قيم و مبادئ.. و هو من المثقفين اﻷكثر شعبية لدى مختلف الطبقات الشعبية لما يتمتع به ذكاء وقاد و سرعة بديهة فأصبح الناس يتداولون مواقفه و أفكاره المشاكسة للسلطات على شكل نوادر و طرائف ظلت تتناقلها اﻷجيال إلى يومنا هذا..
.
ـ شهادات حية من مسقط رأسه :
*السيد شنة بوبكر .. مدير مدرسة متقاعد ..وأول مراسل ..لجريدة النصر ..بمدينة وادي سوف/ قمار :
من الذكريات للراحل المغفور له الأستاذ الطاهر بن عيشة. انه كان في أواخر الخمسينيات وخلال الثورة المسلحة قد فتح ما يشبه مدرسة لتعليم الآلة الراقنة بمنطقة( فرانسفيل) بالجبل الأحمر تونس ...وكان يستعملها كذلك لدروس الدعم وفي نفس الوقت خلية من خلايا الثورة المسلحة حيث كان يتردد عليه المرحوم شرفي محمد الطاهر من حين لآخر. ( هذا ما تذكرته في هذه اللحظة) ..رحمهما الله فقد قدما للثورة.. كل ما أمكنهما تقديمه فضلا عن
فترة الاستقلال ..
* السيد الأستاذ كرثيو عبد الباسط من الشباب المثقف بغمرة مسقط رأس الفقيد يقول : عمي الطاهر كما يسميه مثقفو الولاية رجل عرف بنبله وتواضعه وحرصه الشديد على تقديم الشباب في الصفوف الأولى ودعمه لهم وأنه من الذين لا يخافون في الله لومة لائم وكفى بالرجل فخرا أنه أوصى بوصيتين قبل وفاته لا غير وهما أن يدفن في مسقط رأسه قرب أهله وذويه وكذلك أن توهب مكتبته إلى مكتبة جامعة محمد لخضر بالوادي ضاربا كل الرسميات و البروتوكولات عرض الحائط.
* شهادة السيد احنيش كنانة ابن المرحوم احنيش الحبيب بن عثمان (قمار ) :
لله ما قضى وقد قضى إنا لله وإنا إليه راجعون، رحمك الله ياسي الطاهر بن عيشة عرفنا فيك التواضع والعفة والمصارحة في الحق ولا تخيفه لا المناصب ولا الألقاب حتى سما ه الرئيس الراحل بومدين بالواعر ... كان رحمه الله في اخر لقاء لنا معه في دار الثقافة وأوصانا لما عرف اني ابن صديقه بالمكتبة وبالأرشيف والمخطوطات خيرا وبالمحافظة عليها خاصة تاريخ الثورة على الحدود وكان كلاما شيقا أزيد من ساعة وقوفا... وكان متواضعا كان يأتي إلى الجبل الأحمر بتونس كما تروي لنا أمي ويبيت معنا وتطبخ له جدتي البنية قهوة كنا يريدها على الجزوة على الكانون وكان يعرف لما تكون ناضجة ام نيّئة فيأمر بطبخها مرة اخرى جيدا....نقول فيك كما قيل في الأحنف بن قيس : لله درك يا أبا بحر .... ماذا تغيب منك في القبر . لله درك أي حشو ترى ...أصبحت من عرف ومن نكر .إن كان ظهر فيك جد لنا... حدثا به وهنت قوى الصبر .فلكم يد أسديتها ويد ...كانت ترد جرائر الدهر .رحمك الله ياسي الطاهر لقد كنت المثقف الجزائري المتصالح مع نفسه من دون عقد فرحمك الله واسكنك فسيح جناته لقد عشت حميدا مودودا ومت سعيدا مفقودا وإن الحصى عند الجزوع ثقيلة ...وضخم الصفا عند الصبور خفي .نشر في الموقع بتاريخ : الأربعاء 26 ربيع الأول 1437هـ الموافق لـ : 2016-01-06