من أروع ما قال الفارس الجواد " حاتم الطائي " :
أَمَاوِيّ !إنَّ المالَ غَـادٍ ورائِـحٌ * وَيَبْقَى مِنَ المالِ الأَحَادِيثُ وَالذِّكْرُ
أَمَاوِيّ !إنِّي لاأَقُـولُ لِسَائِـلٍ * إذِا جَاءَ يومـاً حَــلَّ في مالِنَا نَـزْرُ
تَرَيْ أنَّ مَا أَهْلَكْتُ لَمْ يَكُ ضَائِرِي *وأنَّ يَدِي مِمَّا بَخِلْتُ بِـهِ صِفْرُ
هكذا هو حال المنشغلين بترسيخ القيم الإنسانية الراقية في أرواح البشر على اختلاف انتماءاتهم ، و في هذه الفئة نُصف رجال القلم الذين آمنوا أن رأس مال الذكر الطيب أقوى و أبقى وأشهى و انفع..من اكتناز الذهب و الفضة..
فالناس يرحلون و تبقى مآثرهم الطيبة تُطاول عنان السماء، خالدة عبر الزمان لا تندثر مهما اعتلاها من غبار، أو لحقها من تحريف أو تزييف..و في هذا قد تنافس المتنافسون من رجال العلم و الأدب منذ القديم ، و لعل الكتاب الموسوم " أعلام الوطن العربي والأندلس " للكاتب الجزائري " قارة مبروك بن صالح " يحمل الكثير من معاني الوفاء للشخصيات التي نامت بين دفتي كتابه ، من علماء و عباقرة من عربٍ و عجم ، عرّبهم اللسان ، و وحد هدفهم الاسلام ، لغاية واحدة هي إسعاد الانسان ..
وقد صدر هذا الكتاب مؤخرا عن دار النشر المتصدر للترقية الثقافية بدائرة سيدي أمحمد الجزائر العاصمة في طبعته الأولى لسنة 2017 م في مئةٍ و ستةٍ و خمسين (256 )صفحةً
مقسم إلى ثلاثة أقسام؛ حيث تناول في القسم الأول:أعلام عباقرة الحضارة العربية. والقسم الثاني : أعلام عباقـرة العرب بالأندلس . و قسم ثالث خصصه لأقطاب الفكر والإصلاح بالجزائر في العصر الحديث أمثال «مالك بن نبي " رائد النهضة الفكرية الإسلامية بالجزائر و النموذج الثاني شخصية العلامة "عبد الحميد بن باديس" رائد النهضة الإصلاحية و العلمية في الجزائر .
مشيرا في ذلك الى الدور الذي قام به هؤلاء العظماء الذين أناروا كل بقعة وصلها الاسلام بعلومهم في عهد الفتوحات، و خاصة في العهد العباسي حين كانت أوروبا تئن تحت وطأة ظلمات العصور الوسطى .. أعــلام عباقـرة الحضارة ة العــربيـة الإسلامية غيــروا مجـــري التاريـــخ وحملوا مشعل الحضارة العربية لمدة تفوق خمسمائة ( 500) عام.. ولو أن جائزة نوبل استحدثت على أيامهم لحصل عليها العالم الواحد منهم عشرات المرات و من أمثالهم "البيروني ":عالم الفلك الذي بيَّن أن اختلاف الليل والنهار،هما السبب في دوران الأرض وليست حركة الشمس ، وقد وصف الجاذبية الأرضية قبل نيوتن، و صاحب كتاب الصيدلة، ترك تاركا أكثر من مئة مؤلف في الفلك والتاريخ والرياضيات...
و ذاك ابن الهيثم: عالم في الضوء وأبو البصريات ولد بالبصرة في العراق له كتاب المناظر.. و العالم " ابن سينا " : الشيخ الرئيس فيلسوف كبير الأطباء في زمانه بعد الرازي ،ومبتكر طريقة الحُقن، وأنبوب القصبة الفضية أو الذهبية. وقد استعمل التخذير في الجراحة مبتكر كيس الثلج ضد الصداع والحرارة ،مؤلف كتاب القانون في الطب...
و هذا" الخوارزمي " : مؤسس علم الجبر في الرياضيات والفلك له كتاب الزيج (1،2) .. و " الكندي " : راصد أوضاع الكواكب والسلم الموسيقي .. فيلسوف العرب ومؤلف كتاب الغذاء والدواء..و "جابر بن حيان": عالم الكيمياء حضَّر حمض الكبريتيك، واضع نظرية الإتحاد الكميائي له كتاب الخواص الكبير وكتاب الرحمة.. و في الأدب "الجاحظ " صاحب كتاب البيان و التبيين ...و" الطبري و العقوبي "الذي تحدث عن تاريخ الشعوب ما قبل الاسلام وتاريخ الإسلام حتى سنة 258هـ ..و له كتاب "البلدان " يصف فيه كبريات المدن في بلاد الإسلام.و من رحاب الجزيرة الخضراء "عباس بن فرناس": عالم في الفيزياء والفلك والطب ولد في قرطبة: 188-904 م أول من صنع الزجاج من الملح والحجارة له تجربة فريدة في الطيران.. وغير بعيد عنه "ابن رشد" فيلسوف الإسلام لقب بالشارح لفلسفة أرسطو ولد بقرطبة اشتهر بالطب والفلسفة وهو مؤلف كتاب تهافت التهافت وبداية المجتهد.." ابن زُهر": أعظم أطباء الأندلس عالج الحمى بغمس المحموم في الماء البارد له كتاب التيسير.. "ابن البيطار": عالم في النبات والأدوية ولد بمالقة 1179م مؤلف كتاب الجامع..."ابن طُفيل" : فيلسوف شهير ولد بغرناطة له كتاب "حي بن يقظان "
"ابن بطوطة ": رحالة العرب قام ب3 رحلات لمدة تسعة و عشرين 29 سنة ، له كتاب تحفة النظار في غرائب الأمصار وعجائب الأسفار من مواليد طنجة من بربر لواتة بالمغرب .
هذه نماذج فقط من أسماء العلماء الذين تطرق إليهم في كتابه:" أعلام الوطن العربي والأندلس" و للقارئ أن يكتشف المزيد من العلماء عبر الشريط الحدودي العربي الإسلامي قبل تعرضه الى مرحلة الضعف و الانحطاط ، فمرحلة الاستعمار ...
رأى الكاتب انه من باب رد الجميل لهؤلاء العباقرة لابد من إلقاء الضوء و لو على جزء من تاريخهم.. و تخليد ذكراهم، و مهما كتبنا عنهم فإننا لا نوفيهم حقهم علينا و على الناس نظير ما قدموه لنا..
و الجميل في الموضوع الجمع بين مشاهير القلم في العالم العربي و الإسلامي في عصر ازدهار النهضة العلمية و الأدبية في العهد العباسي وأشهر أعلام الجزائر من خلال التطرق الى شخصية الإمام" ابن باديس" رائد النهضة الإصلاحية في الجزائر في سنين الجر ...و الملامة الفيلسوف المفكر " مالك بن نبي « رحمهما الله .ورحم جميع العلماء .
إن الطالب أو الباحث سيجد مادة دسمة في قراءته للكتاب من خلال الشخصيات النموذجية التي تصلح قدوة يُحتذى بها، و جديرة بان يتعرف عليها الطالب و الباحث على السواء ، خاصة و انه قُدم بأسلوب سهل بسيط خال من التعقيد ..و فيه متعة المطالعة النافعة في التعرف على جهابذة و أساطين العلم و المعرفة من عرب و مسلمين وقد ترجم لهم و عنهم الغرب الشيء الكثير ليستفيد منه طلابهم في أوروبا .
عبير البحر /01/04/2017
نشر في الموقع بتاريخ : الأحد 5 رجب 1438هـ الموافق لـ : 2017-04-02